الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلن تجد له وليِّاً مُرشداً، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمَن جحَد به وكفَر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمِعَت أُذُنٌ بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذُريته وآل بيته الطيبين الطاهرين، أُمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنّا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظُلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القربات.
اجتماع المؤمن مع الكافر في مكانٍ و زمانٍ واحد لحكمةٍ بالغة:
أيُّها الإخوة الكرام: في الخطبة السابقة بيِّنت لكم، أنه كان من الممكن أن يكون المؤمنون وغير المؤمنين متباعدين، كلٌ في قارة، أو كلٌ في كوكب، أو كلٌ في حقبة، ولكن شاءت حكمة الله أن يجتمع المؤمنون مع غير المؤمنين، في مكانٍ وزمانٍ واحد، النتيجة الأولى هناك معركةٌ أزليةٌ أبديةٌ بين الحقّ والباطل، وغير المؤمنين يُبيدون الشعوب، وينهبون الثروات، ويكذبون، يُبيدون الشعوب إبادة، هل يُعقل أن يقف المؤمنون مكتوفي الأيدي؟ لابُدَّ من منهج لمقاومة هؤلاء، هذا المنهج في القرآن الكريم موضوع هذه الخطبة.
إعداد القوة اللازمة لردع العدو عن أن يطال أرضنا وكرامتنا وحقوقنا:
أيُّها الإخوة، الله عزَّ وجل يقول:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
لأنَّ القوي لا يتأثر لا برجاء، ولا ببيان، ولا بكلمة، ولا باعتراض، ولا بمسيرة، ولا باحتجاج، ولا بتنديد، ولا بتمزيق علم، ولا بحرق صورة، القوي لا يخضع إلا للقوة، فإن لم تكن قوياً أُخِذَ حقُّك وتفنَن القوي بإذلالك، لذلك كان من الممكن أن نعرف هذه الحقيقة قبل مئتي عام، حتى نُعدّ لأعدائنا القوة التي تردعه عن أن يطال أرضنا وكرامتنا وحقوقنا (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .
كل شيءٍ وقع أراده الله وإرادة الله متعلقةً بالحكمة المطلقة:
الشيء الآخر:
﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)﴾
قال العلماء: كل شيءٍ وقع أراده الله، بمعنى سمح به، لم يأمُر به ولم يرضه لكن سمح به، وكل شيءٍ أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المُطلقة، والحكمة المطلقة متعلقةٌ بالخير المُطلَق، الذي وقع وراءه حكمةٌ بالغةٌ بالغةٌ بالغة، سيعرفها من يعرفها ويجهلها من يجهلها، ولكن هذا هو الإيمان، هناك ثمارٌ يانعةٌ إيجابيةٌ قُطِفت عقِب أحداث غزَّة، توَحَّدنا، ذابَ المسلمون في بوتقةٍ واحدة، شُوِّهَت سُمعة أعدائنا لألف عامٍ قادمة.
البشر صنفان لا ثالث لهما حسب التقسيم الإلهي:
أيُّها الإخوة الكرام: هناك في الأرض ما يُسمّى بالإثنينية، أي هناك حقٌّ وباطل، خيرٌ وشر، عدلٌ وجور، رحمةٌ وقسوة، الأرض فيها الإثنينية، أي هناك فئةٌ عرفت ربّها فانضبطت بمنهجه، وأحسنت إلى خلقه، فسلِمت وسعدت في الدنيا والآخرة، وهناك فئةٌ غفلت عن ربّها، وتفلَّتت من منهجه، وأساءت إلى خلقه، أو أجرمت في حقِّهم، أو قتلتهم، أو أبادتهم، ونَهبَت ثرواتهم، فهلكت وشقيَت في الدنيا والآخرة، ولن تجد فئةً ثالثة، هذا هو التقسيم الإلهي.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
النصر الذي أكرم الله به المسلمين جرعة منعشة من الله لهم:
لذلك:
﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)﴾
هذا النصر الذي أكرم الله به المسلمين، هذا النصر الحقيقي الله شرَّف به المسلمون، ورفع به المسلمون رؤوسهم عالياً، مع أنَّ الخسائر فادحة، لكن إرادتهم لم تنكسر، لكنهم أصبحوا يُخيفون الطرف الآخر، هذا النصر واضحٌ وضوح الشمس، أنه جرعةٌ منعشةٌ من الله لنا، بعد ثقافة اليأس، وثقافة الهزيمة، وثقافة الطريق المسدود، بعد ثقافة أنَّ المسلم لن يُصدِّق خبراً إيجابياً بحقّ أُمته، فجاء هذا النصر جرعةً منعشةً لنا.
الله عزَّ وجل غنيٌ عن العالمين وامتحانه للناس لمعرفة المُحسِن من المُسيء:
ولا تنسوا أيُّها الإخوة: أنَّ الله سبحانه وتعالى على كل شيءٍ قدير، بمعنى أنه بحسب قدرته المُطلقة ينتصر منهم من دون دعوتنا إلى القتال، والآية:
﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)﴾
بزلزال، بخسف، بصاعقة، بموت مفاجئ (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) كي نُمتحَن:
﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ(6)﴾
الفتنة تحصد المنافقين و تكشفهم:
والذي أقوله دائماً: أنَّ كل شيءٍ وقع أراده الله، وبعلمه ولحكمة بالغةٍ بالغة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، يقول الله عزَّ وجل:
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)﴾
(( لا تكرهوا الفتنَ في آخرِ الزمانِ فإنها تُبيدُ المنافقينَ ))
[ أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين وأبو نعيم في تاريخ أصبهان والديلمي في الفردوس ]
المنافق ظهَر، العميل ظهَر، المُتآمر ظهَر، المُنخذِل ظهَر.
أيُّها الإخوة: من مُسلَّمات الإيمان أنَّ الله يعلم، ويقدِر، ويعنيه ما يجري في الأرض، والذي وقع مرةً ثالثة إنما وقع لحكمةٍ بالغةٍ بالغة.
من لم يجاهد أو يُحدِّث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق:
أيُّها الإخوة الكرام:
﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ(167)﴾
لذلك ورَدَ في بعض الأحاديث:
(( مَن ماتَ ولم يغزُ ولم يحدِّث نَفسَهُ بالغَزوِ ماتَ علَى شُعبةٍ من نفاقٍ ))
جاهد بنفسك، فإن لم تستطع فجاهد بمالك، فإن لم تستطع فجهز غازياً، فإن لم تستطع فتحمَّل نفقة قريبٍ لهذا الغازي، فإن لم تستطع فادعُ لإخوانك في غزَّة، والموت حق:
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا(78)﴾
لا تَأمَنِ المَوتَ في طَرفٍ وَلا نَفَسٍ وَإِن تَـمَنَّـعـتَ بِالحُـجّـابِ وَالـحـَرَسِ
فَـمـا تَــزالُ سِـهـامُ المَـوتِ نـافِـذَةً فـي جَـنـبِ مُـدَّرِعٍ مـِنـهـــا وَمُتَّـرِسِ
أَراكَ لَــسـتَ بِــوَقّــافٍ وَلا حَـــذِرٍ كَالحاطِبِ الخابِطِ الأَعوادَ في الغَلَسِ
تَرجـو النَـجاةَ وَلَـم تَسلُك مَسالِكَـها إِنَّ السَـفيـنَةَ لا تَجــري عَلى الـيَبَـسِ
الدفاع عن الوطن بالمال و النفس واجب على كل إنسان لأن الموت واحد:
أيُّها الإخوة الكرام: ما قولكم بهذه الآية:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾
أمّا الذين قعدوا وتخاذلوا، بل وسكتوا وتآمروا وأعانوا:
﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(154)﴾
ومن لم يمُت بالسيفِ ماتَ بغيرهِ تنوعتِ الأسبابُ والداءُ واحِدُ
﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً (16)﴾
بضع سنوات.
﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)﴾
ملة الكفر واحدة في كل مكانٍ و زمان:
أيُّها الإخوة الكرام: ملة الكفر واحدة، والكافر هو الكافر في كل مكانٍ وزمان، والمؤمن هو المؤمن، ماذا يقول هؤلاء الكُفَّار؟
﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(168)﴾
أمّا هؤلاء الإخوة المُجاهدون الذين رفعوا رؤوسنا عالياً، الذين أنسونا أيام النكسات والهزائم، أيام احتلال الأراضي، أيام القضاء على جيوشٍ سبعة في ست ساعات، هؤلاء قال الله عنهم:
﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)﴾
بطولة الإنسان ألّا يُهزم من الداخل:
لو أنك تملُك بُرجاً في الخليج بأكمله، ثمنه مليارات (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) هذا كلام مَن؟ كلام خالق الأكوان.
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)﴾
البطولة ألّا نُهزَم من الداخل، البطولة أن نعتقد أنَّ الله لن يتركنا، لكن الله يريدنا أن نكون عباداً له صالحين، في الخندق:
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11)﴾
تقوية الله عزَّ وجل الطرف الآخر من أصعب الامتحانات التي تمر بالمسلم:
من أصعب الامتحانات الامتحان الذي نحن فيه، يقوي الله الطرف الآخر، يقتل، يسفك الدماء، يهدم البيوت على رؤوس أُناسٍ عُزَّل، مجرد استعمال سلاحٍ فتَّاك، طيرانٍ عملاق، على مدينةٍ آمنة عزلاء جائعة، وصمة عارٍ بحقّ المُنتصر.
أيُّها الإخوة: (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً) كيف أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تكرهوا الفتنَ في آخرِ الزمانِ فإنها تُبيدُ المنافقينَ) الآن دقِّق عقِب معركة الخندق:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(23)﴾
وهذه المعركة أيضاً فرَزَت المنافقين:
﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12)﴾
حتى إنَّ أحدهم قال: أيعُدنا صاحبكم أن تُفْتَح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؟
بشارة من الله عزَّ وجل لمن استشهد في سبيله:
لذلك يُطمئنُنا الله عزَّ وجل ويقول:
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(160)﴾
ثم يُبشِّر هؤلاء الذين قُتلوا في سبيل الله، يُبشِّر أهلهم وذويهم فيقول:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(170)﴾
ثقة المؤمنين بالله عزَّ وجل:
ومهما تجمَّع الناس ضد المسلمين، مهما تآمر العالم كله على المسلمين، ولو أنَّ هناك حرباً عالميةً ثالثةً مُعلنةً جهاراً ونهاراً على المسلمين، يقول الله عزَّ وجل:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)﴾
الكلمة التي سمعتها مئات ألوف المرات في هذا العدوان، من الذين قُتِل ذووهم، أولادهم، آباؤهم، أُمهاتهم، الكلمة المشهورة "حسبنا الله ونعم الوكيل" .
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)﴾
في سبيل الشيطان، في سبيل المال، في سبيل المكانة، في سبيل المُتعة (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) .
توجيهات الله عزَّ وجل للمؤمنين في آياتٍ من القرآن الكريم:
الله عزَّ وجل يوجِّه المؤمنين، وهذه آياتٌ أضعها بين أيدي إخوتنا في الأراضي المحتلة، وبين أيدي إخوتنا في العراق، وبين أيدي إخوتنا في أفغانستان.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)﴾
الذي دمَّر أعداءنا، أنه كان يتوقع أن تُرفع الرايات البيضاء، بعد عشر ساعاتٍ من قصف ثمانمئة هدف، لم تُرفع الرايات البيضاء، ولا بعد أسبوع، ولا بعد أسبوعين، ولا بعد ثلاثة، فهو قرر إيقاف إطلاق النار، أليس هذا نصراً؟
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾
هذه رسالة.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)﴾
النار عاقبة الغافل عن الله عزَّ وجل:
أيُّها الإخوة الكرام: ترى الطرف الآخر غنياً، قوياً، عملاقاً، غارقاً في النعيم، غارقاً في الترَف، غارقاً في همومٍ لا تُقدِّم ولا تؤخِّر، يقول الله عزَّ وجل يُخاطب المؤمنين، نحن المعنيون بهذا الخطاب:
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)﴾
كنت في ألمانيا زرت متحفاً عسكرياً، هتلر والجموع والجاه والعَظَمَة أين هو؟ أين هو؟
أيُّها الإخوة الكرام:
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ(198)﴾
وحدة المسلمين تؤكد أن سلمهم واحد و حربهم واحدة:
لذلك:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾
والمؤمن كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( المؤمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ حذِرٌ ))
[ الألباني السلسلة الضعيفة ]
يقول الله عزَّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71)﴾
يجب أن تكون وحدة المسلمين مؤكِّدةً أنَّ سلمهم واحدة وأنَّ حربهم واحدة، هكذا قال عليه الصلاة والسلام: << أهل يثرب أُمةٌ واحدة، سلمهم واحدة وحربهم واحدة>> .
معاملة الآخر بالإحسان إن لم يعتدِ عليك أو يخرجك من أرضك:
أهداف القتال: هؤلاء الذين قالوا الإسلام هجومي، أبداً الإسلام دفاعي، والدليل:
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)﴾
بل إنَّ الإسلام يأمر بنص القرآن الكريم، أن تُعامل الآخرين ما داموا لم يعتدوا عليك، ولم يخرجوك من أرضك، أن تعاملهم بالإحسان:
﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)﴾
مقاتلة اليهود و الدفاع عن الحق واجب على كل مسلم:
أيُّها الإخوة الكرام: أمّا النساء والأطفال الذين قُتلوا، أُحرقوا، مناظرهم يندى له الجبين، يتفطَّر القلب ألماً، يقول الله عزَّ وجل:
﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75)﴾
ينبغي أن نعيش لأولادنا، لمستقبل أولادنا، لمستقبل بناتنا، ينبغي أن نعيش للآخرين.
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)﴾
فرض القوي ثقافته و إباحته على الضعيف:
حينما استقووا فرضوا علينا ثقافتهم، فرضوا علينا إباحيتهم، فرضوا علينا عاداتهم وتقاليدهم، فرضوا علينا كل شيء، (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) وهذا الذي يحصل في فلسطين تُغطيه هذه الآية:
﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾
ثلاثة وعشرين مسجداً هُدِمَ (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) .
على المؤمن ألا يُروُّج الشائعات الكاذبة و ينشرها:
والله الذي لا إله إلا هو، الأعداء تخيَّلوا وتوهَّموا أنهم سيستسلمون من أول يوم، لأنَّ الجيش الذي يحاربهم أعتى جيشٍ في المنطقة، بل هو رابع جيشٍ في العالم، وهؤلاء قِلةٌ مُستضعفون، عندهم إيمان، وأَعدّوا العُدَّة التي أُتيحت لهم فقط، عشرة آلاف مقاتل، وقفوا لمدة اثنين وعشرين يوماً، في وجه أقوى جيشٍ في الشرق الأوسط، أليس هذا نصراً؟! لذلك أيُّها الإخوة، أنت كمؤمن لا تُروِّج الشائعات السلبية أبداً، مثلاً قال تعالى:
﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)﴾
أمرٌ مخيف أذاعوا به من دون تحقُّق، من دون تدقيق، من دون استوثاق، أذاعوا به (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) .
الوعيد المتعلق بقتل مؤمنٍ أعظم وعيد في القرآن الكريم:
أيُّها الإخوة الكرام: هل تُصدِّقون أنَّ أعظم وعيدٍ في القرآن الكريم، هو الوعيد المتعلق بقتل مؤمنٍ، يقول الله عزَّ وجل:
﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً(93)﴾
أمّا هؤلاء اليهود يقول الله عنهم:
﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)﴾
ضمن مدرعات (أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) .
أيُّها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإنجازات العظيمة لإنسانٍ ودِّعَ بالحذاء:
لابُدَّ من كلمةٍ أبدأُها بهذه العبارات:
الفراق صعب أيُّها الإخوة، دموع المُحبّين تخونهم عند فراق محبوبيهم، فقد ودَّعَ العالم قبل أيامٍ رئيساً لامعاً طيِّب الذِكر، حسن السيرة والسريرة، لقد ترك العالم في حيرةٍ، بعد إنجازاتٍ لم يسبقه إليها أحد.
فقد دمَّر الاقتصاد، وقطع جسور العلاقات، وشوَّه سُمعة بلده، ودمَّر العراق، وخرَّب أفغانستان، وسبَّبَ دمار لبنان، وأعانَ على حصار غزَّة، ثم أمر بتدميرها، وصدَّر الديمقراطية على دبابة، وأرسل العدالة على صاروخ، ووزَّع الغذاء على شكل قنابل، وأفسَد الماء، وحجب الهواء، وأسال الدماء، ومنَعَ الغذاء، وعطَّل الدواء، وسجن الأبرياء، ورمَّل النساء، ويتَّم الأطفال الضعفاء، وعذَّب الشرفاء، وخذل الأوفياء، وخالف النُصحاء، وأطاع الأغبياء، وتنبأ بأنَّ جيشه سوف يُستقبَل بالباقات والبسمات، فاستُقبِل بالأحذية و الجزمات.
أغضَب الأحياء والأموات، رفع صرخات الأُمهات، أصاب جنوده بمرض الوسواس القهري، وانفصام الشخصية، والهذيان، والغثيان، والإسهال، ومرض الأنيميا والإيدز، مع التشوّهات الجسمية من قطع الأيادي، وبتر الأقدام، وجذع الأنوف، وكسر الجماجم، وتهشيم العظام، والآن يرحل، ونسأل الله له طول العمر ليرى بنفسه ثمار إنجازاته، ونتائج فتوحاته ليتذوَّق حلاوة أعماله.
﴿ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)﴾
وعزاؤه هذه السُمعةُ الحسنة، والذكر الجميل، والحُب الذي زرعه في القلوب، ويقترح بعضهم أن يُبنى له نصبٌ تذكاري في كلٍّ من غوانتانامو، وأبو غريب، وتورا بورا، ومعابر غزَّة، وأرفع له الشكر باسم كل أمةٍ ناميةٍ، نائمةٍ، راكدةٍ، جامدةٍ، خامدة، هامدة، وأشكره باسم قتلى الرافدَين، وشيوخ أفغانستان، وعجائز فلسطين، وأطفال غزَّة، وأشكره باسم علماء البيئة لأنه أراحهم من العمل، وباسم علماء الاقتصاد لأنهم أصبحوا في عطلة، وباسم صانعي السيارات لأنها تقلصت، وباسم البنوك لأنها أفلست.
كما نرفع له أسمى آيات الاعتراف بالجميل، لأنه أضعف دولة القطب الواحد، ليجعلها دولة القطب الرابع، وساعدنا في تشتيت جيشه، وتبديد ثروته، وتضييع الطاقة، وغرس الهزيمة النفسية في قلوب شعبه، كما نرفع له باقاتٍ من الورد بقدر القنابل العنقودية التي أطلقها بالملايين، والفسفورية التي أطلقها على الفلُّوجة، والبصرة، وقندهار، وغزَّة، ونبعث له باقات الورد، بقدر الغازات السامة التي نشرها في العراق وكابول، و باسم كل طفلٍ مُعاق، وطفلةٍ مُشوُّهة، وشابٍ مُقعَد، وشيخٍ دمَّرته الأحداث، وعجوزٍ كسيرةٍ حسيرة.
كان هذا الطيب الذِكر، السبب في شقائهم وتعاستهم، بل باسم كل يتيمٍ، ومُشردٍ، ومُضطهدٍ، ومسجونٍ، ونتمنّى له أياماً سعيدة، يتلذَّذ فيها بالنظر إلى الأجساد المُمزَّقة، والوجوه المُحرَّقة، والأنوف المُقطَّعة، والعيون المفقوءة، والآذان المشرومة، والصدور المُحطَّمة، كما نشكره على براعته في الخطابة، وسرعته في الإجابة، مع الوسامة وارتفاع القامة، وضخامة الهامة، مع الجذابة الخلابة، والهِمّة الوثَّابة، التي لا تجتمع لأحدٍ إلا بخذلان الله عزَّ وجل.
ولقد ودَّعك العالم كله بقُبلةٍ هي حذاء الزَيدي، فعُدَّتَ من العراق بخُفَّي الزَيدي، والآن نودعك وعزاؤنا في فراقك هذه المقولة: " مُتْ متى شئت فالموتُ أستر لك والقبر أجدر بك" .
لقد صدَقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: إذا مات العبد الفاجر - أو انتهت رئاسته-:
(( أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُرَّ عليه بجِنَازَةٍ، فَقالَ: مُسْتَرِيحٌ ومُسْتَرَاحٌ منه. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما المُسْتَرِيحُ والمُسْتَرَاحُ منه؟ قالَ: العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِن نَصَبِ الدُّنْيَا وأَذَاهَا إلى رَحْمَةِ اللَّهِ، والعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ منه العِبَادُ والبِلَادُ، والشَّجَرُ والدَّوَابُّ ))
ماذا بقي؟
اللهم اهدِنا فيمن هديت، وعافِنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن تولَّيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرف عنّا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، اللهم هبّ لنا عملاً صالحاً يُقرِّبُنا إليك.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصُر الإسلام وأعز المسلمين، انصُر المسلمين في كل مكانٍ وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرِنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.
الملف مدقق